1. الأصوليون

    ليس على وجه الأرض من يشتاق إلى رؤية هذا الكوكب وقد تحول إلى كتلة من اللهب والرماد، ويسعى إلى هذه النهاية المرعبة بكل جِدٍّ وعلانية، ويبشر بها بين الناس مستخدماً أحدث وسائل الإعلام تطوراً إلا في أمريكا.
    فهنا فقط نجد منظمات أصولية يبلغ بها التطرف حداً لم يصل إليه أكثر الإرهابيين جنوناً وتهورا من أي بلد آخر، ومع فوارق أخرى مهمة فالأصوليون في أمريكا لهم تأثير سياسي هائل وأتباع يعدون بالملايين بل بعشرات الملايين، ويعملون تحت سمع وبصر الحكومة والقانون والشعب كله، ولا يخفون عداوتهم لكل من يخالفهم من الناس، وهم للحكومة فيما تخالفهم أشد عداء، بل إن لبعضهم نظريات عن الحكومة الفيدرالية يصعب على كثير من المثقفين أن يصنفها ضمن دائرة المعقول، وكل عقائدهم وأفكارهم تنبثق من عقيدة واحدة هي الإيمان بالمعركة الجهنمية الرهيبة هرمجدون، وكل طقوسهم وأنشطتهم تتجه لإشعال هذه المعركة، يستبشرون بكل حرب تقع في الدنيا لا سيما في شرق البحر المتوسط، وكلما كانت أكثر دماراً وأعظم آثاراً كان رجاؤهم أقوى أن تكون هي هرمجدون أو مقدمة لها، وإذا سمعوا نبأ مفاوضات أو خطط سلام أصابتهم الكآبة وسيطر عليهم الإحباط، وجندوا كل وسائلهم لإقناع الحكومة الأمريكية بالعدول عنها، وسعوا بكل وسيلة لإبطالها.
    إن تشوقهم لدمار هذا الكوكب مؤسس على أنهم سوف يرفعهم المسيح إلى السحاب حتى يحترق العالم من تحتهم.
    من دون كلل أو خوف من النقد يجتهدون في افتعال رموز من الكتاب المقدس وتنـزيلها على الوقائع والأحداث سنة بسنة، بل شهراً بشهر؛ بل يوماً بيومٍ، وكلما اخطأت محاولة أعادوا الكرة مرات إلى ما لا نهاية، ربما لا يوجد بين ملايين المواقع على الشبكة العالمية الإنترنت ما هو أكثر إثارةً وأغرب موضوعاً من مواقعهم التي لا تحصى!
    نتيجة لجهودهم يعتقد (40%) من الأمريكيين أن نهاية العالم سوف تكون في معركة هرمجدون ويعتقد (20%) منهم أن هذه النهاية ستقع في حياتهم.
    بالرغم من عشرات الحوادث سنوياً ينفذها أتباعهم أو يسعون لتنفيذها داخل أمريكا، وتتراوح ما بين السطو على البنوك وتفجير المؤسسات الفيدرالية، ونسف الجسور، وتدمير المنشئات الحيوية، فهم جزء من الثقافة الأمريكية، ويمثلون المحافظة على القيم الأمريكية، ويحاربون بكل قوة الفكر الليبرالي المضاد.
    وإذا قبضت الشرطة على الجاني منهم حوكم هو نفسه فقط دون أن يمتد اللوم إلى التيار والفكر اللذين أنتجاه..!!
  2. الكفة الأخرى من الميزان

    أورد الخطاب كفة واحدة وهي الأعمال التي تعرض لها الأمريكيون، ولا يزيد مجموع ضحاياها عن بضعة آلاف، وهذه هي الكفة الأخرى
    يحتفظ التاريخ للولايات المتحدة الأمريكية بأكثر سجلاته دموية وعنفاً وظلماً، سجل يجعلها من أول نظرة أبعد دولة عن الحرب العادلة!
    ولا نستطيع هنا أن نسرد ذلك السجل- ليس لطوله فحسب؛ بل لأنه مقزز أيضاً - لكن نعرض إشارات عابرة منه:
    1- قتل الملايين من السكان الأصليين بأمريكا.حسب تقدير البروفيسور الفرنسي تزفتيان تودوروف كتابه الشهير اكتشاف أمريكا يبلغ عددهم (80) مليون نسمه.
    2- قتل ملايين الأفارقة ( العبيد ). حسب تقدير المفكر الفرنسي روجيه جارودي يبلغ عددهم (100) مليون نسمه.
    3- قتل الملايين من المدنيين في الحربين العالميتين ونلتقط هنا بعض المشاهد:
    - إحراق عشرات الألوف من المدنيين في ألمانيا واليابان ( أكثر من ستين مدينة ) قتل فيها أكثر من (400) ألف شخص منهم (100) ألف في طوكيو وحدها.
    - كارثة القنبلة النووية على هيروشيما.
    - كارثة القنبلة النووية على ناجازاكي.
    وهاتان لا تحتاجان إلى تعليق!
    إجمالاً إذا كان ضحايا هاتين الحربين عشرات الملايين، فإن لأمريكا النصيب الأكبر من ذلك.
    بعد الحرب العالمية الثانية شنت أمريكا حروبها في جنوب شرق آسيا [كوريا، فيتنام، لاوس، كمبوديا، الصين ]
    وتشير بعض التقديرات إلى أن (22 مليوناً) من البشر تعرضوا للقتل والتشويه، أكثرهم من المدنيين بل العجائز والأطفال؟
    اعترف كيسنجر بثلث هذا الرقم تقريباً، لكن أمريكيين كثيرين واثقون من أن العدد لا يقل عن النصف.
  3. العراق

    تعتمد الحكومة الأمريكية سياسة الإبادة بالقتل العمد للشعب العراقي، وفي حادث واحد فقط ( ملجأ العامرية ) كان عدد الضحايا وهم مدنيون نصف ضحايا هجمات (11 أيلول) تقريباً على أن الجحيم الذي انصهروا فيه قد يزيد على ما حدث في نيويورك أو لا يقل عنه.
    أجزم أن أي إنسان خيِّر يقرأ ملف الحادث سوف يصاب بالصدمة ليس لفظاعته فحسب؛ بل لقلة الحديث عنه إذا ما قورن بالهجمات على أمريكا.
    لكن الحرب الأمريكية العادلة والنظيفة لم تكتف بذلك؛ بل قتلت مليون جنرال وهو لا يـزال في رحم أمه، ومليوناً آخر بعد ولادتهم.
    لقد قال جيف سيمونز في كتابه عن هذه المأساة '' أعرف مراقبين غربيين أصيبوا بالكآبة والانهيار العصبي بسبب ما شاهدوه من التعذيب الأمريكي لأطفال العراق"
    ناهيك عما أعقبه الحصار الجائر المتعنت بكل نواحي الحياة،وعما لحق البيئة من تلوث لا تظهر آثاره إلا بعد سنين، ولا تنقطع إلا بعد مئات أو ألوف السنين نتيجة إسقاط مئات الأطنان من اليورانيوم الناضب وغيره من الأسلحة المحرمة دولياً.
    إنها حرب إبادة وحشية لا نهاية لها، ولا نظير لها من قبل، كل ذلك نصرةً لشعب الله المختار وزعمائه من رجال السلام أمثال الجنرال شارون على المشتبه فيهم أن يكونوا شعب الآشوري الذي تحدثت عنه نبوءات التوراة المحرفة!
  4. فلسطين

    بغض النظر عن الدعم الدائم للدولة الصهيونية في حروبها مع العرب لا نتردد في القول بأن الحكومة الأمريكية - دون أدنى اكتراث بالعدل وبكل صلف - تقف وحدها مع المجازر الإسرائيلية الوحشية التي تعرض لها الفلسطينيون ويتعرضون ضاربة بكل القيم والأخلاق والقرارات الدولية والأعراف الدبلوماسية عرض الحائط.
    أمر شائن فاضح لا يستطيع إنسان ذو ضمير أن يسكت عنه أو يتجاهله.
    يضرب المتوحشون الصهاينة بآلة الحرب الأمريكية المتطورة كل شيء: الرجال، النساء، الأطفال، البيوت، المزارع، ويمنعون الصحفيين وعمال الإغاثة من مجرد الدخول، ولم يقف الحيف الأمريكي عند حدود مطالبة الطرفين -الأطفال الجوعى والجرحى من جهة والقتلة الشارونيون من جهة أخرى- بوقف إطلاق النار؛ بل تعداه إلى مطالبة أولئك الأطفال الرضع والأمهات الحوامل -أولاً- بوقف القتال، ومطالبة شجر الزيتون بوقف القتال، وإعطاء فرصة للقتلة والجرافات لإنهاء مهماتهم، ثم تعداه أخيراً إلى إلزام الحكام العرب بكبح جماح إرهاب الجرحى تحت الأنقاض والزيتون المقلوع!!
    يالها من عدالة!!
  5. البلقان

    قام العدل الأمريكي في البلقان على مبدأ المساواة بين الجزار والضحية، ثم معاقبة الجزار باليورانيوم وقتل المدنيين ونسف الجسور والاتهام الانتقائي.
    حققت أمريكا باسم هذا العدل مكاسب هائلة أقلها طي أوروبا تحت جناحها.
  6. مهزلة الحرب على الإرهاب

    انتهكت الحكومة الأمريكية كل القوانين الدولية والأعراف الإنسانية - فضلا عن الشرائع الإلهية - في كل ما يتصل بهذه الحرب: الحرب بدون بينة، الحرب بدون تفويض من الأمم المتحدة، رفض التوسط أو الحياد، استخدام أسلحة فتاكة محرمة لم يسمع عنها الناس من قبل، استهداف المساجد والمراكز الإغاثية والإعلامية، والإبادة الوحشية للمدنيين بأدنى اشتباه وبدون اشتباه، وقتل المستسلمين، وانتهاك حقوق أسرى الحرب، واستصدار تشريعات خاصة مطابقة لهوى الإدارة، وفرض حكومة يرفضها الشعب، وحجب المعلومات، وفرض رقابة صارمة على الإعلام الأمريكي نفسه، وتضارب الأهداف وغموضها وتبديلها يوماً بعد يوم، وحظر إبداء الرأي الآخر في الإعلام، ( وأخيراً إصدار بعض المثقفين الأمريكيين خطاب تأييد ).
  7. حروب لا حصر لها وعدالة لا حدود لها

    ما سبق هو نوع -بل بعض نوع- من حروب أمريكا، أما الأنواع الأخرى فلا يمكن إحصاء ضحاياها ولا تكييفها مع أي نوع من أنواع العدل!!
    ومن ذلك الحرب بالوكالة: وهذه يشمل ميدانها أكثر الدول الأفريقية، ودول أمريكا الوسطى والجنوبية ودول في جنوب شرق آسيا وغيرها.
    يستخدم الوحش الأمريكي فيها مخالب محلية لا تقيم للعدل أي اعتبار، ولا يهمها إلا خدمة العم سام، إذا فشل أحدها تخلت عنه أمريكا وألحقته هو وجنده بالضحايا، وبحثت عن وكيل جديد!!
    أكثر ضحايا هذا النوع هو الدول الجيران الأعداء أو الذين تثير أمريكا العداوة بينهم.
    ومن أنواعها: الحرب بالتآمر، ويشمل ميدانها أكثر من خمسين بلداً وتتنوع أعمالها:
    اغتيال زعماء، انقلابات، إثارة شغب، دعم انفصالات، تأييد الحكومات الفاسدة المستبدة.
    كثير من هذه الدول حليف لـأمريكا، وكثر من رؤسائها المدعومين درسوا في أمريكا أو أقاموا بها زمنا. أو ممن ترعاهم سفاراتها!!
    ضحايا هذا النوع هم الشعوب الحليفة أو المحايدة والحكومات المنتخبة والزعماء الوطنيون.
    ومن أنواعها: الحرب الاقتصادية،
    تقول كثير من الدراسات إنه إذا كان الأمريكيون (5%) من سكان العالم، فإن (95%) من البشر يتعرضون لحرب اقتصادية أمريكية تتراوح ما بين موت الملايين جوعاً إلى إفلاس مؤسسات الإنتاج الوطنية، والواقع أن الملايين من الأمريكيين -أيضاً- يتعرضون لذلك. الرابح الوحيد هنا هو الامبراطوريات الاحتكارية والمتعاون معها من مسئولي الدولة فقط.
    تحقيقاً لمصالح هذه الامبراطوريات -خصوصاً شركات تصنيع السلاح- تفتعل أمريكا حروباً عسكرية بأي بقعة من الأرض، تكون هذه الحروب عادلة بقدر ما تدر من ربح لتلك الشركات!
    تماماً مثلما يكون الرئيس جديراً بالانتخاب بقدر ما يتوفر من المال للدعاية الانتخابية.
    إذا لم تستطع الإدارة افتعال حرب لسبب ما ألغت أو أجّلت بعض الاتفاقيات عن الأسلحة النووية، ثم تذرعت بالخطر على الأمن القومي لكي تمول مشروعات خيالية تنفذها هذه الشركات.
    ومن ذلك الحرب البيولوجية بالرغم من السرية التي يحاط بها هذا النوع الخبيث من الحروب فقد كشف فيروس الإيدز النقاب عن شيء منها، واستطاع الدكتور هورويتز خريج هارفارد أن يهز الرأي العام العالمي التي قدمها بإثبات أن الإيدز والإيبولا ماهما إلا بعض منتجات مختبرات الأسلحة الجرثومية الأمريكية.
    حروب لا حصر لها وعدالة لا حدود لها!
    وكتب سفر بن عبد الرحمن الحوالي
    بتاريخ 15\2\1423هـ.